الكتاب : أسرار العربية
المؤلف : كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن أبي سعيد الأنباري


*****باب الشرط والجزاء*****

إن قال قائل لم عملت إن الجزم في الفعل المضارع قيل إنما عملت لاختصاصها وعملت الجزم لما بينا من أنها تقتضي جملتين الشرط والجزاء فلطول ما تقتضيه اختير لها الجزم لأنه حذف وتخفيف وأما ما عدا أن من ا لألفاظ التي يجازى بها نحو من وما وأي ومهما ومتى وأين وأيان وأنى وأي حين وحيثما وإذما فإنما عملت لأنها قامت مقام إن فعملت عملها وكلها مبنية لقيامها مقامها ما عدا أيا وسنذكرمعانيها ولم أقيمت مقام الحرف مستوفى في باب الاستفهام إن شاء الله تعالى فإن قيل فما العامل في جواب الشرط قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب بعض النحويين إلى أن العامل فيه حرف الشرط كما يعمل في فعل الشرط وذهب بعضهم إلى أن حرف الشرط وفعل الشرط يعملان فيه وذهب آخرون إلى أن حرف الشرط يعمل في فعل الشرط وفعل الشرط يعمل في جواب الشرط
وذهب أبو عثمان المازني إلى أنه مبني على الوقف.
فمن قال أن حرف الشرط يعمل فيهما جميعا قال لأن حرف الشرط يقتضي جواب الشرط كما يقتضي فعل الشرط ولهذا المعنى يسمى حرف الجزاء فكما عمل في فعل الشرط فكذلك يجب أن يعمل في جواب الشرط وأما من قال أنهما جميعا يعملان فيه فلأن فعل الشرط يقتضي الجواب كما أن حرف الشرط يقتضي الجواب فلما اقتضياه معا عملا فيه معا وأما من قال أن حرف الشرط يعمل في فعل الشرط وفعل الشرط يعمل في الجواب فقال لأن فعل الشرط يقتضي الجواب وهو أقرب إليه من الحرف فكان عمله فيه أولى من الحرف وأما من قال أنه مبني على الوقف فقال لأن الفعل المضارع إنما أعرب لوقوعه موقع الأسماء والجواب ههنا لم يقع موقع الأسماء فوجب أن يكون مبنيا وذهب الكوفيون إلى أنه مجزوم على الجوار لأن جواب الشرط مجاور لفعل الشرط فكان محمولا

(1/143)


عليه في الجزم والحمل على الجوار كثير في
كلامهم قال الشاعر - من البسيط -
( كأنما ضربت قدام أعينها ... قطنا بمستحصد الأوتار محلوج ) وكان يقتضي أن يقول ا محلوجا فخفضه على الجوار وكقول الآخر - من الرجز -
( كأن نسج العنكبوت المرمل ... ) وكقولهم جحر ضب خرب وما أشبه ذلك وهذا ليس بصحيح لأن الحمل على الجوار قليل يقتصر فيه على السماع ولا يقاس عليه لقلته وقد اعترض على هذه المذاهب كلها باعتراضات فأما من قال إن حرف الشرط يعمل فيهما وحده فاعترض عليه بأن حرف الشرط حرف جزم والحروف الجازمة لا تعمل في شيئين لضعفهما وأما قول من قال أن حرف الشرط وفعل الشرط يعملان في الجواب فلا يخلو عن ضعف وذلك لأن الأصل في الفعل ألا يكون عاملا في الفعل فإذا لم يكن له تأثير في العمل في الفعل وحرف الشرط له تأثير فإضافة ما لا تأثير له إلى ما له تأثير لا تأثير له وأما قول من قال أنه مبني على الوقف لأنه لم يقع موقع الاسم ففاسد أيضا وذلك لأن الفعل إذا ثبتت له المشابهة للاسم في موضع واستحق الإعراب بتلك المشابهة لم يشترط ذلك في كل موضع ألا ترى أن الفعل المضارع يكون معربا بعد حروف النصب نحو لن يقوم وبعد حروف الجزم نحو لم يقم وان لم يحسن أن يقع موقع الأسماء فكذلك ههنا على أن وقوعه موقع الأسماء إنما هو موجب لنوع من الإعراب وهو الرفع وقد زال حملا لجنس الإعراب وليس من ضرورة زوال نوع منه زوال جملة الجنس
والصحيح عندي أن يكون العامل هو حرف الشرط بتوسط فعل الشرط لا أنه عامل معه لما بينا
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

(1/144)


*****باب المعرفة والنكرة*****

إن قال قائل هل المعرفة أصل أو النكرة قيل لا بل النكرة هي الأصل لأن التعريف طارئ على التنكير فإن قيل ما حد النكرة والمعرفة قيل حد النكرة ما لملي يخص الواحد من جنسه نحو رجل وفرس ودار وما أشبه ذلك وحد المعرفة ما خص الواحد من جنسه فإن قيل فبأي شيء تعتبر النكرة من المعرفة قيل بشيئين أحدهما دخول الألف واللام نحو الفرس والغلام ودخول رب عليها نحو رب فرس وغلام وما أشبه ذلك فإن قيل فعلى كم نوعا تكون المعرفة قيل على خمسة أنواع الاسم المضمر والعلم والمبهم وهو اسم الإشارة وما عرف بالألف واللام وما أضيف إلى أحد هذه المعارف فأما الاسم المضمر فعلى ضربين منفصل ومتصل فأما المنفصل فعلى ضربين مرفوع ومنصوب فأما المرفوع فهو أنا ونحن وأنت وأنتما وأنتم وأنت وأنتن وهو وهما وهم وهي وهن.
وأما المنصوب المنفصل فإياي وإيانا وإياك وإياكما وإياكم وإياك وإياكن وإياه وإياهما وإياهم وإياها وإياهن وذهب الخليل إلى أنه مظهر استعمل استعمال المضمر.
ومنهم من قال أنه اسم مبهم أضيف للتخصيص ولا يعلم اسم مبهم أضيف غيره ومنهم من قال أنه بكماله اسم مضمر ولا يعلم اسم مضمر يختلف آخره غيره ومنهم من قال أنه اسم مضمر أضيف إلى الكاف ولا يعلم اسم مضمر أضيف غيره والصحيح أن إيا اسم مضمر والكاف للخطاب ولا موضع لها من الإعراب وذهب الكوفيون إلى أن المضمر هو الكاف و إيا عماد وهذا ليس بصحيح لأن الشيء لا يعمد بما هو أكثر منه وقد بينا فساد ذلك مستقصى في المسائل الخلافية وأما المتصل فعلى ثلاثة أضرب مرفوع ومنصوب ومجرور فأما المرفوع فنحو قمت وقمنا وقمت وقمتما وقمتم وقمت وقمتن والمضمر في قام وقاما وقاموا وقامت وقامتا وقمن، والضمير في اسم الفاعل نحو ضارب والضمير في اسم المفعول نحو مضروب وما أشبه ذلك.
وأما المنصوب المتصل فنحو رأيتني ورايتنا ورأيتك ورأيتكما ورأيتكم ورأيتك ورأيتكن ورأيته ورأيتهما ورأيتهم ورأيتها ورأيتهن وما أشبه ذلك وأما المجرور فلا يكون إلا متصلا نحو مر بي وبنا وبك وبكما وبكم وبك وبكن وبه وبهما وبهم وبها وبهن وما أشبه ذلك فإن قيل فلم كان للمرفوع والمنصوب ضميران متصل ومنفصل ولم يكن للمجرور كذلك قيل لأن المرفوع والمنصوب يجوز في كل واحد منهما أن يفصل بينه وبين عامله ألا ترى أن المرفوع يجوز أن يتقدم فيرتفع بالإبتداء فلا يتعلق بعامل لفظي وكذلك المنصوب يجوز أن يتقدم على الناصب كتقدم المفعول على الفعل والفاعل فلما كانا يتصلان بالعامل تارة وينفصلان أخرى وجب أن يكون لهما ضميران متصل ومنفصل وأما المجرور فلا يجوز أن يتقدم على عامله ولا يفصل بين عامله ومعموله إلا في ضرورة لا يعتد بها فوجب أن يكون ضميره متصلا لا غير وأما الاسم العلم فنحو زيد وعمرو وأبي محمد وما أشبه ذلك وأما المبهم فنحو هذا وهذان وهذه وهاتان وتلك وتيك وتانك وتينك وهؤلاء وما أشبه ذلك.

(1/145)


وأما ما عرف بالألف واللام فنحو قولك الرجل والغلام وقد اختلف النحويون في ذلك فذهب الخليل إلى أن تعريفه بالألف واللام معا وذهب سيبويه إلى أن تعريفه باللام وحدهاا وأنها لما زيدت للتعريف ساكنة ادخلوا عليها الهمزة لئلا يبتدأ بالساكن لأن الابتداء بالساكن محال وفي الخلاف بينهما كلام طويل لا يليق ذكره بهذا المختصر وقد أفردنا كتابا فيه وأما ما أضيف إلى أحد هذه المعارف فنحو غلامي وغلام زيد وغلام هذا وغلام الرجل وغلام صاحب عمرو وما أشبه ذلك فإن قيل فما اعرف هذه المعارف قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب بعض النحويين إلى أن الاسم المضمر اعرف المعارف ثم الاسم العلم ثم الاسم المبهم ثم ما فيه الألف واللام وأعرف الضمائر ضمير المتكلم لأنه لا يشاركه فيه غيره ولا يقع فيه التباس بخلاف غيره من سائر المعارف والذي يدل على أن الضمائر أعرف المعارف أنها لا تفتقر إلى أن توصف كغيرها من

(1/146)


المعارف وهو قول سيبويه وذهب بعضهم إلى أن الاسم المبهم اعرف المعارف لأنك تعرفه بعينك ثم المضمر ثم العلم ثم ما فيه الألف واللام وهو قول أبي بكر بن السراج وذهب آخرون إلى أن أعرف المعارف الاسم العلم لأنه في أول وضعه لا يكون له مشارك ثم المضمر ثم المبهم ثم ما عرف بالألف والأم وهو قول أبي سعيد السيرافي.
فأما ما عرف بالإضافة فتعريفه بحسب ما يضاف إليه من المضمر والعلم والمبهم وما فيه الألف واللام على اختلاف الأقوال فإن قيل فلم بني الاسم المضمر والمبهم دون سائر المعارف قيل أما المضمر فإنما بني لأنه أشبه الحرف لأنه جعل دليلا على المظهر وإذا جعل علامة على غيره أشبه تاء التأنيث فإذا أشبه تاء التأنيث فقد أشبه الحرف وإذا أشبه الحرف وجب أن يكون مبنيا وأما المبهم وهو اسم الإشارة فإنما بني لتضمنه معنى حرف الإشارة فإن قيل فأين حرف الإشارة قيل حرف الإشارة وان لم ينطقوا به إلا أن القياس كان يقتضي أن يوضع له حرف كغيره من المعاني كالاستفهام والشرط والنفي والنهي والتمني والترجي والعطف والنداء والاستثناء إلى غير ذلك إلا أنه لما لم ينطقوا به وضمنوا معناه اسم الإشارة وإن لم ينطقوا به وجب أن يكون مبنيا فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

(1/147)


*****باب جمع التكسير*****

إن قال قائل لم جمع فعل بفتح الفاء وسكون العين في القلة على أفعل وسائر أوزان الثلاثي وهي فعل وفعل وفعل وفعل وفعل وفعل وفعل وفعل وفعل تجمع على أفعال قيل لأن فعلا أكثر استعمالا من غيره من سائر الأوزان و أفعل أخف من أفعال فأعطوا ما يكثر استعماله الأخف وأعطوا ما يقل استعماله الأثقل ليعادلوا بينهما فأما قولهم فرخ وأفراخ وأنف وآناف وزند وأزناد في حروف معدودة فشاذ لا يقاس عليه على أنهم قد تكلموا عليها فقالوا إنما قالوا في جمع فرخ أفراخ لوجهين أحدهما أنهم حملوه على معنى طير فكما قالوا في جمع طير أطيار فكذلك قالوا في جمع فرخ أفراخ لأنه في معناه والوجه الثاني أن فيه الراء وهي حرف تكرير فتنزل التكرير فيه بمنزلة الحركة فصار بمنزلة فعل بفتح العين فجمع على أفعال كجبل وأجبال وجمل وأجمال قال الشاعر - من البسيط -
( ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر )
( ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر ) وأما أنف فإنما جمعوه على أفعال فقالوا آناف لأن فيه النون والنون فيها غنة فصارت الغنة فيه بمنزلة الحركة فصار بمنزلة فعل فجمع على أفعال وأما زند فإنما جمع على أفعال فقالوا أزناد لوجهين أحدهما لما ذكرنا أن النون فيها غنة فصارت كأنها متحركة والوجه الثاني أن زندا في معنى عود وعود بجمع على أعواد فكذلك ما كان في معناه فإن قيل ولم جمعوا فعلا إذا كانت عينه ياء أو واوا على أفعال ولم يجمعوه على افعل قيل لأنهم لو جمعوه على أفعل على قياس الصحيح لأدى ذلك إلى الاستثقال ألا ترى أنك لو قلت في جمع بيت أبيت وفي جمع عود أعود لأدى ذلك إلى ضم الياء والواو والياء تستثقل عليها الضمة لأنها معها بمنزلة ياء وواو وكذلك

(1/148)


الواو أيضا تستثقل عليها الضمة أكثر من الياء لأنها معها بمنزلة واوين فلما كان ذلك مستثقلا عدلوا عنه إلى أفعال.
فإن قيل فلم جمعوا بين فعال و فعول في جمع الكثرة قيل لاشتراكهما في عدد الحروف وإن كان في أحدهما حرف ليس في الآخر فإن قيل فلم خصوا في جمع التكسير ما كان على فعل مما عينه واو بـ فعال نحو ثوب وثياب ومما عينه ياء بـ فعول نحو شيخ وشيوخ وهلا عكسوا قيل إنما لم يجمعوا ما كان من ذوات الواو على فعول لأنه كان يؤدي إلى الاستثقال ولا يؤدي إلى ذلك إذا جمع على فعال ألا ترى أنه لو جمع على فعول لكان يؤدي إلى اجتماع واوين وضمه نحو ثووب وحووض وذلك مستثقل لاجتماع واوين وضمة وجوزوا ذلك في الياء لأنها أخف من الواو فلذلك خصوا ما كان عينه واوا ب فعال وما كان عينه ياء ب فعول فإن قيل فمن أين زعمتم أن أفعلالا يكون إلا في جمع فعل وقد قالوا زمن وأزمن فجمعوا فعلا بفتح العين على أفعل قيل إنما قالوا زمن وأزمن وإن كان القياس يوجب أن يقال أزمان إلا أنه لما كان زمن في معنى دهر و دهر يجمع على أدهر فكذلك أيضا جمعوا زمنا على أزمن
لأنه في معناه كقوله - من الطويل -
( أمنزلتي مي سلام عليكما ... هل الأزمن اللائي مضين رواجع ) فإن قيل فلم جمع ما جاء على فعل في الأغلب على فعلان قيل لأن فعلا مقصور من فعال وما كان على فعال فإنه يجمع على فعلان نحو غراب وغربان وعقاب وعقبان فكذلك ما كان مقصورا منه يجمع على فعلان
فإن قيل فلم وجب تحريك العين من فعلة بفتح الفاء وسكون العين في الجمع في نحو جفنات وقصعات وسكنت في نحو خدلات وصعبات قيل لأن فعلة بفتح الفاء وسكون العين تكون اسما غير صفة نحو جفنة وقصعة وتكون صفة نحو خدلة وصعبة فحركت العين منها إذا كانت اسما غير صفة نحو جفنات وقصعات للفرق بينهما وبين الصفة نحو خدلات

(1/149)


وصعبات، وإنما كانت ساكنة إذا كانت مضاعفة لئلا يجتمع حرفان متحركان من جنس واحد وذلك مستثقل ألا ترى أنك لو قلت في جمع سلة سللات وملة مللات لكان ذلك مستثقلا فإن قيل فلم جاز في جمع فعلة بضم الفاء وسكون العين ضم العين وفتحها وسكونها نحو ظلمة وظلمات وظلمات وظلمات قيل أما الضم فللاتباع وأما الفتح ففرارا من اجتماع الضمتين وأما السكون فللتخفيف كقولهم في عضد عضد فإن قيل فلم جاز في جمع فعلة بكسر الفاء وسكون العين كسر العين وفتحها وسكونها نحو سدرة وسدرات وسدرات وسدرات قيل أما الكسر فللاتباع وأما الفتح ففرارا من اجتماع الكسرتين وأما السكون فللتخفيف كقولهم في كتف كتف كما بينا في جمع فعلة والألف والتاء في ذلك كله للقلة عند بعض النحويين ويحتجون بما روي أن حسان بن ثابت أنشد النابغة قصيدته التي يذكر فيها - من الطويل -
( لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما )

(1/150)


فلم ير فيه اهتزازا فعاتبه على ذلك فقال له النابغة قد أخطأت في بيت واحد في ثلاثة مواضع وأغضيت عنها ثم جئت تلومني فقال له حسان وما تلك المواضع فقال له:
الأول أنك قلت الجفنات وهي تدل على عدد قليل ولا فخر لك أن يكون لك في ساحتك ثلاث جفنات أو أربع.
والثاني أنك قلت يلمعن واللمعة بياض قليل فليس فيه كبير شأن.
والثالث أنك قلت يقطرن والقطرة تكون للقليل فلا يدل ذلك على فرط نجدة وكان يجب أن تقول الجفان ويسلن وهذا عندي ليس بصحيح لأن هذا الجمع يجيء للكثرة كما يجيء للقلة والذي يدل عليه قول الله تعالى ( وهم في الغرفات آمنون ) والمراد به الكثرة لا القلة والدي يدل على ذلك أنه جمع صحيح فصار بمنزلة قولهم الزيدون والعمرون كما أن قولهم الزيدون والعمرون يكون للكثرة والقلة فكذلك هذا الجمع.
وأما ما روي عن النابغة وحسان فقد كان أبو علي الفارسي يقدح فيه ولو صح فيحتمل أن يكون النابغة قصد ذكر شيء يرفع عنه ملامة حسان ويعارضها في الحال فإن قيل فلم جاز أن يكتفي ببناء القلة عن بناء الكثرة وببناء الكثرة عن بناء القلة قيل إنما جاز أن يكتفي ببناء القلة عن بناء الكثرة نحو قلم وأقلام ورسن وأرسان وأذن وآذان وطنب وأطناب وكتف وأكتاف وإبل وآبال وأن يكتفى ببناء الكثرة عن بناء القلة نحو رجل ورجال وسبع وسباع وشسع وشسوع لأن معنى الجمع مشترك في

(1/151)


القليل والكثير فجاز أن ينوى بجمع القلة جمع الكثرة لاشتراكهما في الجمع كما جاز ذلك فيما يجمع بالواو والنون نحو الزيدون وجاز أن ينوى بجمع الكثرة جمع القلة كما جاز أن ينوي بالعموم الخصوص فإن قيل فلم جمع ما كان رباعيا على مثال واحد وهو مثال فعالل قيل لأن ما كان على أربعة أحرف لما كان أثقل مما كان على ثلاثة أحرف ألزم طريقة واحدة وزيدت الألف على واحده دون غيرها لأنها أخف الحروف لأنها قط لا تكون إلا ساكنة فإن قيل فلم حذف آخر ما كان خماسيا في الجمع نحو سفرجل وسفارج قيل إنما وجب حذف آخر حروفه لطوله ولو أتي به على الأصل لكان مستثقلا فحذف طلبا للخفة وكان الآخر أولى بالحذف لأنه أضعف حروف الكلمة لأن الحذف في آخر الكلمة أكثر من غيره فإن قيل فلم جاز أن يقولوا في جمع سفرجل سفاريج بالياء قيل لأنهم لما حذفوا اللام جعلوا الياء عوضا عن اللام المحذوفة منه فإن قيل فلم عوضوا بالياء دون غيرها قيل لأن ما بعد ألف التكسير مكسور فكأنهم أشبعوا الكسرة فنشأت الياء وذلك ليس بثقيل فلهذا كانت الياء أولى من غيرها.
فإن قيل فلم كان الاسم أولى بالتحريك من الصفة وهلا عكسوا وكان الفرق حاصلا قيل إنما كان الاسم أولي بالتحريك من الصفة لأن الاسم أقوى وأخف من الصفة والصفة أضعف وأثقل فلما كان الاسم أقوى وأخف والصفة أضعف وأثقل كان الاسم للتحريك أحمل فأما قول الشاعر - من الطويل -
( أبت ذكر عودن أحشاء قلبه ... خفوقا اورفضات الهوى في المفاصل ) فسكن رفضات والأصل رفضات بالفتح لأجل ضرورة الشعر فإن قيل فلم إذا كانت العين من فعلة معتلة أو مضاعفة تكون ساكنة كالصفة نحو عورات وبيضات وسلات وما أشبه ذلك قيل إنما كانت ساكنة إذا كانت العين معتلة لأن الحركة توجب ثقلا في الواو والياء فسكنوهما هربا من ثقل الحركة عليهما وحرصا على تصحيحهما ومن العرب من يفتح الواو والياء فيقول عورات وبيضات كما لو كان صحيح العين وعلى هذه اللغة قراءة من قرأ ( ثلاث عورات لكم ) بفتح الواو وقال الشاعر - من الطويل -
( أخو بيضات رائح متأوب ... رفيق بمسح المنكبين سبوح ) فإن قيل فلم حذفوا منه الزيادة في الجمع إذا لم تقع رابعة ولم يحذفوها إذا وقعت رابعة قيل إنما حذفوا الزيادة إذا لم تقع رابعة لأنهم إذا حذفوا منه الحرف الأصلي فالزائد أولى وإنما لم يحذفوها إذا وقعت رابعة لأنهم يجتلبون لها الياء قبل الطرف فإذا وجدت قبل الطرف وهي من نفس الكلمة فينبغي ألا تحذف لأنها أولى بالثبات من المجتلبة فإن قيل فلم قالوا في جمع مفتاح مفاتيح وجرموق جراميق فقلبوا الألف والواو ياء وابقوا الياء على حالها قيل إنما قلبوا الألف والواو ياء لسكونهما وانكسار ما قبلهما وأبقوا الياء على حالها لأن الكسرة إذا كانت توجب قلب الألف والواو ياء فلأن تبقى الياء على حالها كان ذلك من طريق الأولى فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

(1/152)


*****باب التصغير*****

إن قال قائل لم ضم أول الاسم المصغر قيل لوجهين أحدهما أن الاسم المصغر يتضمن المكبر ويدل عليه فأشبه فعل ما لم يسم فاعله فكما بني أول فعل ما لم يسم فاعله على الضم فكذلك أول الاسم المصغر والوجه الثاني أن التصغير لما صيغ له بناء جمع له جميع الحركات فبني الأول على الضم لأنه أقوى الحركات وبني الثاني على الفتح تبيينا للضمة
وبني ما بعد ياء التصغير على الكسر في تصغير ما زاد على ثلاثة أحرف دون ما كان على ثلاثة أحرف لأن ما كان على ثلاثة أحرف يقع ما بعد كل في الياء منه حرف الإعراب فلا يجوز أن يبنى على الكسر فإن قيل فلم كان التصغير بزيادة حرف ولم يكن بنقصان حرف قيل لأن التصغير قام مقام الصفة ألا ترى أنك إذا قلت في رجل رجيل وفي درهم دريهم وفي دينار دنينير قام رجيل مقام رجل صغير وقام دريهم مقام درهم صغير وقام دنينير مقام دينار صغير فلما قام التصغير مقام الصفة وهي لفظ زائد جعل بزيادة حرف وجعل ذلك الحرف دليلا على التصغير لأنه قام مقام ما يوجب التصغير فإن قيل فلم كانت الزيادة ياء ولم كانت ساكنة ولم كانت ثالثة قيل إنما كانت ياء لأنهم لما زادوا الألف في التكسير والتصغير والتكسير من واد واحد زادوا فيه الياء لأنها اقرب إلى الألف من الواو وإنما كانت ساكنة ثالثة لأن ألف التكسير لا تكون إلا كذلك فإن قيل فلم حمل التصغير على التكسير ومن أين زعمتم أنهما من واد واحد قيل إنما حمل التصغير على التكسير لأنه يغير اللفظ والمعنى كما أن التكسير يغير اللفظ والمعنى ألا ترى أنك إذا قلت في تصغير رجل رجيل أنك قد غيرت لفظه بضم أوله وفتح ثانيه وزيادة ياء ساكنة ثالثة وغيرت معناه لأنك نقلته من الكبر إلى الصغر كما أنك إذا قلت في تكسيره رجال غيرت لفظه بزيادة الألف وفتح ما قبلها وغيرت معناه لأنك نقلته من الإفراد إلى الجمع فلهذا قلنا أنهما من واد واحد فإن قيل فلم ألزموا التصغير طريقة واحدة ولم تختلف أبنيته كإختلاف أبنية التكسير قيل لأن التصغير أضعف من التكسير ألا ترى أنك إذا قلت رجيل فقد وصفته بالصغر من غير أن تضم إليه غيره وإذا قلت رجال فقد ضممت إليه غيره

(1/153)


وصيرت الواحد جمعا فلما كان التصغير أضعف من التكسير في التغيير وكان المراد به معنى واحدا ألزم طريقة واحدة ولما كان التكسير أقوى من التصغير في التغيير ويكون كثيرا وقليلا وليس له نهاية ينتهي إليها خص بأبنيه تدل على القلة والكثرة فلذلك اختلفت أبنيته فإن قيل فلم إذا كان الاسم خماسيا يحذف آخر حروفه في التصغير نحو سفرجل وسفيرج قيل إنما وجب حذف آخر حروفه في التصغير لطوله على ما بينا في جمع التكسير لأن التصغير يجري مجرى التكسير ولهذا يجوز فيه التعويض فيقال فيه سفيريج كما قالوا في التكسير سفاريح ولهذا أيضا إذا كانت الزيادة غير رابعة حذفت وإذا كانت رابعة لم تحذف حملا للتصغير على التكسير لأن التصغير والتكسير من واد واحد فإن قيل فلم ردوا التاء في تصغير المؤنث إذا كان الاسم ثلاثيا نحو شمس وشميسة ولم يردوها إذا كان الاسم على أربعة أحرف نحو زينب وزيينب قيل إنما ردوا التاء في التصغير لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها ألا ترى أنهم قالوا في تصغير باب بويب وفي تصغير ناب نييب.
فردوا الألف إلى أصلها وأصلها في باب الواو لأنك تقول في تكسيره أبواب وبوبت بابا، وأصلها في ناب الياء لأنك تقول في تكسيره أنياب ونيبت نابا، وفي الأمر منه نيب وفي الأمر من الأول بوب ا فإذا كان التصغير يرد الأشياء إلى أصولها والأصل في نحو شمس أن تكون بعلامة التأنيث للفرق بين المذكر والمؤنث وجب ردها في التصغير واختص رد التاء في الثلاثي لخفة لفظه فأما الرباعي فلم ترد فيه التاء لطوله فصار الطول بدلا من تاء التأنيث فأما ما لم يرد فيه التاء في التصغير من الثلاثي فنحو قولهم في قوس قريس وفي فرس فريس وفي عرس عريس وفي حرب حريب وفي ناب الإبل نييب وفي درع الحديد دريع وأما ما اثبتوا فيه التاء في التصغير من الرباعي فنحو قولهم في قدام قديديمة وفي وراء وريئة وفي أمام أميمة وقد تكلموا عليه فقالوا إنما لم تلحق التاء في التصغير ما كان ثلاثيا لأنه اجري مجرى المذكر لأنه في معناه وذلك لأن القوس في معنى العود والفرس ينطلق على المذكر والمؤنث والمذكر هو الأصل فبقي لفظ

(1/154)


تصغيره على أصله والعرس في معنى التعريس والحرب في الأصل مصدر حربت حربا والمصدر في الأصل مذكر والناب روعي فيها معنى الناب الذي هو السن وهو مذكر لأنها سميت به عند سقوطه ودرع الحديد في معنى الدرع الذي هو القميص وإنما أثبتوا التاء في التصغير في ما كان رباعيا نحو قديديمة ووريئة وأميمة لوجهين أحدهما أن الأغلب في الظروف أن تكون مذكرة فلو لم يدخلوا التاء في هذه الظروف وهي مؤنثة لالتبست بالمذكر والوجه الثاني أنهم زادوا التاء تأكيدا للتأنيث ويحتمل أيضا وجها ثالثا وهو أنهم أثبتوا التاء تنبيها على الأصل المرفوض كما صححوا الواو في القود والحركة تنبيها على أن الأصل في باب و دار بوب ودور وعلى كل حال فكلا القسمين شاذ لا يقاس عليه فإن قيل فلم خالفوا بين تصغير الأسماء المبهمة وما أشبهها وبين الأسماء المتمكنة فقالوا في تصغير ذا ذيا وفي تا تيا وفي الذي اللذيا وفي التي اللتيا قيل إنما فعلوا ذلك جريا على أصول كلامهم في تغيير الحكم عند تغيير الباب لأن الأسماء المبهمة لما كانت مغايرة للأسماء المتمكنة جعلوا لها حكما غير حكم الأسماء المتمكنة لتغايرهما فلم يضموا أوائلها في التصغير كما فعلوا في الأسماء المتمكنة وزادوا في آخرها ألفا لتكون علما للتصغير كالضمة في أوائل الأسماء المتمكنه وجوزوا أن تقع ياء التصغير فيها ثانية كقولهم في ذا ذيا وفي تا تيا فإن قيل فلم لم يمتنع وقوع ياء التصغير فيها ثانية كما امتنع في الأسماء المتمكنة قيل إنما لم يمتنع وقوع ياء التصغير فيها ثانية كما امتنع في الأسماء المتمكنة لأن أوائلها مفتوحة فلم يمتنع وقوع ياء التصغير الساكنة بعدها بخلاف الأسماء المتمكنة فإن أوائلها مضمومة فيمتنع وقوع الياء الساكنة بعدها فإن قيل فلم زادوا الألف في آخرها علامة للتصغير قيل إنما حسن زيادة الألف في آخرها علامة للتصغير لأنها أسماء مبنية فجعل في آخرها ألف لتكون على صيغة لا يتصور دخول الحركة التي هي آلة الإعراب عليه
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

(1/156)


*****باب النسب*****

إن قال قائل لم زيدت الياء في النسب مشددة مكسورا ما قبلها نحو زيدي وعمري وبغدادي وبصري وما أشبه ذلك قيل أولا إنما كانت ياء تشبيها بياء الإضافة لأن النسب في معنى الإضافة ولهذا كان المتقدمون من النحويين يترجمونه بـ باب الإضافة
وكانت الياء مشددة لأن النسب أبلغ من الإضافة فشددوا الياء ليدلوا على هذا المعنى وكانت مكسورا ما قبلها توطيدا لها فإن قيل فلم حذفوا تاء التأنيث في النسب نحو قولهم في النسب إلى مكة مكي وما أشبه ذلك قيل لخمسة أوجه الوجه الأول أنها إنما حذفت لئلا تقع في حشو الكلمة وتاء التأنيث لا تقع في حشو الكلمة والوجه الثاني أنها إنما حذفت لئلا يؤدي إلى الجمع بين تاءي تأنيث في النسب إلى المؤنث إذا كان المنسوب مؤنثا ألا ترى أنك لو قلت في النسب إلى الكوفة والبصرة في المذكر رجل كوفتي وبصرتي لقلت في المؤنث امرأة كوفتية وبصرتية فلما كان يؤدي إلى الجمع بين تاءي تأنيث في المؤنث نحو كوفتية وبصرتية والجمع بين علامتي تأنيث في كلمة واحدة لا يجوز حذفوا التاء من المذكر لئلا يجمعوا بين علامتي تأنيث في المؤنث والوجه الثالث أنها إنما حذفت لأن ياء النسب قد تنزلت منزلة تاء التأنيث في الفرق بين الواحد والجمع ألا ترى أنهم قالوا رومي وروم وزنجي وزنج ففرقوا بين الواحد والجمع بياء النسب كما فرقوا بتاء التأنيث بين الواحد والجمع في قولهم نخلة ونخل وتمرة وتمر فلما وجدت المشابهة بينهما من هذا الوجه لم يجمعوا بينهما كما لم يجمعوا بين علامتي تأنيث.

(1/157)


والوجه الرابع أنها إنما حذفت لأن هذه التاء حكمها أن تنقلب في الوقف هاء فلما كانت تتغير ولا يمكن أن تجري على حكمها في أن تكون تارة تاء وتارة هاء كان حذفها أسهل عليهم.
والوجه الخامس أن تاء التأنيث بمنزلة اسم ضم إلى اسم ولو نسبت إلى اسم ضم إلى اسم لحذفت الاسم الثاني فكذلك ههنا تحذف تاء التأنيث.
فإن قيل فلم حذفت الياء من باب فعيلة وفعيلة كقولهم في النسب إلى جهينة جهني وإلى ربيعة ربعي دون باب فعيل وفعيل كقولهم في النسب إلى ثقيف ثقيفي وفي النسمب إلى هذيل هذيلي قيل إنما حذفوا الياء في باب فعيلة وفعيلة دون باب فعيل وفعيل لأن باب فعيلة وفعيلة اجتمع فيه سببان موجبان للحذف وهما طلب التخفيف وتأنيس التغيير بحذف تاء التأنيث وباب فعيل وفعيل ليس فيه إلا سبب واحد وهو طلب التخفيف فلما كان في باب فعيلة وفعيلة سببان لزم الحذف ولما كان في باب فعيل وفعيل سبب واحد لم يلزم الحذف فإن قيل فلم قالوا حنفي بالفتح والأصل فيه الكسر قيل إنما قالوا حنفي بالفتح وإن كان الأصل هو الكسر لأنهم قلبوا الكسرة فتحة طلبا للتخفيف كما قالوا في النسب إلى شقر شقري وإلى نمر نمري بالفتح وان كان الأصل هو الكسر طلبا للتخفيف ألا ترى أنهم لو قالوا شقري ونمري بالكسر لأدى ذلك إلى توالي كسرتين بعدهما ياء مشددة وذلك مستثقل فعدلوا عن الكسرة إلى الفتحة فقالوا شقري ونمري فكذلك ههنا وكذلك قالوا في النسب إلى علي علوي بالفتح لأنهم لما حذفوا الياء الأولى التي هي ياء فعيل بقي على وزن فعل فأبدلوا من الكسرة فتحة فانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار علا ك رحى وعصا وقلبوا من الألف واوا فقالوا علوي كما قالوا رحوي وعصوي فإن قيل فلم وجب قلب ألف رحى وعصا واوا قيل إنما وجب قلب الألف واوا لأنها ساكنة والياء الأولى من ياءي النسب ساكنة وساكنان لا يجتمعان فوجب فيها القلب وكان القلب أولى من الحذف لكثرة ما يلحق النسب من التغيير والتغيير بالحذف أبلغ من القلب وأقوى فلهذا كان القلب أولى.
وكان قلب الألف واوا أولى من قلبها ياء لأنها لو قلبت ياء لأدى ذلك إلى اجتماع الأمثال ألا ترى أنك لو قلت رحيي وعصيي لأدى ذلك إلى اجتماع ثلاث ياءات وذلك مستثقل فعدلوا عن الياء إلى الواو لأنها أبعد عن اجتماع الأمثال فإن قيل فلم قالوا في النسب إلى شج شجوي قيل لأنهم أبدلوا من الكسرة فتحة للعلة التي ذكرناها فانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فالتحق بالمقصور نحو رحى وعصا فقالوا فيه شجوي كما قالوا رحوي وعصوي فإن قيل فلم قالوا في النسب إلى

(1/158)


مغزى وقاض مغزي ومغزوي وقاضي وقاضوي قيل أما من قال مغزوي فأبدل فلأن الألف من نفس الكلمة فأبدل منها واوا كما أبدل فيما كان على ثلاثة أحرف نحو رحوي وعصوي وأما قاضوي فأبدلت من الكسرة فتحة وقلبت الياء ألفا فصار قاضا كمغزى فقالوا قاضوي كما قالوا مغزوي وأما من قال مغزي وقاضي فحذف الألف والياء فلأن الألف ساكنة والياء الأولى من ياءي النسب ساكنة وساكنان لا يجتمعان فحذفت الألف لالتقاء الساكنين كما حذفت فيما كان على خمسة أحرف.
فإن قيل فلم وجب حذف الألف والياء إذا كان الاسم على خمسة أحرف نحو قولهم في النسب إلى مرتجى مرتجي وإلى مشتري مشتري قيل إنما وجب حذف الألف والياء من الاسم إذا كان على خمسة أحرف لطول الكلمة وإذا جاز الحذف فيما كان على أربعة أحرف لزم فيما زاد على ذلك.
فإن قيل فلم لزم الحذف فيما كان على أربعة أحرف نحو قولهم في النسب إلى بشكى بشكي وإلى جمزى جمزي قيل لأنه لما توالت فيه ثلاث حركات متواليات تنزل منزلة ما كان على خمسة أحرف لأن الحركة قد تنزل منزلة الحرف ألا ترى أن من يجوز أن يصرف هند لا يجوز أن يصرف سقر كما

(1/159)


لا يجوز أن يصرف زينب لأن الحركة ألحقته بما كان على أربعة أحرف فكذلك ههنا ألحقته الفتحة بما كان على خمسة أحرف فإن قيل فلم وجب حذف الياء المتحركة مما قبل آخره ياء مشددة نحو قولهم في النسب إلى أسيد أسيدي وما أشبه ذلك قيل لئلا يجتمع أربع ياءات وكسرتان وذلك مستثقل وإنما وجب حذف المتحركة لأن المقصود بالحذف التخفيف والمتحركة أثقل من الساكنة فكان حذفها أولى ولأنهم لو حذفوا الساكنة لكانت المتحركة تنقلب ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فلذلك كان حذف المتحركة أولى فإن قيل فلم وجب قلب همزة التأنيث في النسب واوا نحو قولهم في حمراء حمراوي ولم يجب ذلك في النسب إلى كساء وعلباء وما أشبه ذلك قيل لأن همزة التأنيث ثقيلة لأنها عوض عن علامة التأنيث التي توجب ثقلا فوجب قلبها واوا وأما همزة كساء فلم يجب قلبها لأنها منقلبة عن حرف أصلي فأجريت مجرى الهمزة الأصلية نحو قراء ووضاء وكذلك الهمزة في علباء ملحقة بحرف أصلي فأجريت أيضا مجرى الهمزة الأصلية وكما لا يجب قلب الهمزة الأصلية واوا في النسب فكذلك ما أجري مجراها فإن قيل فلم وجب الرد إلى الواحد في النسب إلى الجمع كقولهم في النسب إلى الفرائض فرضي وما أشبه ذلك قيل لأن نسبه ا إلى الواحد يدل على كثرة نظره فيها وحكم الواحد من الفرائض كحكم الجمع فإذا كان حكم الواحد كحكم الجمع وجب الرد إلى الواحد لأنه أخف في اللفظ مع أنه الأصل فأما قولهم أنماري ومدائني فإنما نسبوا إلى الجمع لأنه صار اسم شيء بعينه وليس المقصود منه أن يدل على ما يقتضيه اللفظ من الجمع فلما صار اسما للواحد تنزل منزلة الواحد، فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

(1/161)


*****باب أسماء الصلات*****

إن قال قائل لم سمي الذي والتي ومن وما وأي أسماء الصلات قيل لأنها تفتقر إلى صلات توضحها وتبينها لأنها لا يفهم معناها بأنفسها ألا ترى أنك لو ذكرتها من غير صلة لم تفهم معناها حتى تضم إلى شيء بعدها كقولك الذي أبوه منطلق أو الذي انطلق أبوه وكذلك التي أخوها ذاهب أو التي ذهب أخوها وكذلك سائرها.
وفي الذي أربع لغات الذي - بياء ساكنة والذي - بياء مشددة والذ - بكسر الذال من غير ياء والذ - بسكون الذال من غير ياء وكذلك في التي أربع لغات التي - بياء ساكنة والتي - بياء مشددة واللت - بكسر التاء من غير ياء واللت - بسكون التاء من غير ياء والألف واللام فيهما زائدتان وليستا فيهما للتعريف لأن التعريف بصلتهما وهي الجملة التي بعدهماا بدليل أخواتهما نحو من وما فلو كانتا فيهما للتعريف لأدى ذلك إلى أن يجتمع فيهما تعريفان وذلك لا يجوز فإن قيل فلم أدخلت الذي و التي في الكلام قيل توصلا إلى وصف المعارف بالجمل لأنهم لما رأوا النكرات توصف بالمفردات والجمل نحو مررت برجل ذاهب ومررت برحل أبوه ذاهب وذهب أبوه وما أشبه ذلك ولم يحبوا أن يجعلوا النكرة أقوى من المعرفة وآثروا التسوية بينهما جاءوا باسم ناقص لا يتم إلا بجملة فجعلوه وصفا للمعرفة توصلا إلى وصف المعارف بالجمل كما أتوا ب ذو الذي بمعنى صاحب توصلا إلى الوصف بأسماء الأجناس نحو مررت برجل ذي مال وأتوا ب أي توصلا إلى نداء ما فيه الألف واللام نحو يا أيها الرجل وما أشبه ذلك.
فإن قيل فلم وجب العائد من الصلة إلى الموصول قيل لأن العائد يعلقها

(1/162)


بالموصول ويتممه بها ولهذا لم يجز أن يرتفع زيد ب خرج في قولهم الذي خرج زيد لأنه يؤدي إلى أن تخلو الصلة من العائد إلى الموصول فإن قيل فلم حذف في قوله تعالى ( أهذا الذي بعث الله رسولا ) قيل لأن العائد ضمير المنصوب المتصل والضمير المنصوب المتصل يجوز حذفه وإنما جاز حذفه لأنه صار الاسم الموصول والفعل والفاعل والمفعول بمنزلة شيء واحد فلما صارت هذه الأشياء بمنزلة الشيء الواحد طلبوا لها التخفيف وكان حذف المفعول أولى لأن المفعول فضلة بخلاف غيره من هذه الأشياء فكان حذفه أولى فإن قيل فهل يجوز أن تكون الأسماء المفردة صلات قيل لا يجوز ذلك لأن أسماء الصلات إنما أدخلوها في الكلام توصلا إلى الوصف بالجمل كما أتوا ب ذو توصلا إلى الوصف بالأجناس وب أي توصلا إلى نداء ما فيه الألف واللام فكما لا يجوز إضافة ذو إلى غير الأجناس ولا يأتي بعد أي إلا ما فيه الألف واللام فكذلك ههنا لا يجوز أن تكون الصلات إلا جملا ولا يجوز أن تكون مفردة فأما قراءة من قرأ ( تماما على الذي أحسن ) بالرفع فالتقدير فيه تماما على الذي هو أحسن وكذلك قوله تعالى ( مثلا ما بعوضة ) بالرفع تقديره ما هو بعوضة وكذلك قوله تعالى أيهم أشد على الرحمن عتيا أي هو أشد فحذف المبتدأ في هذه المواضع كلها وحذف المبتدأ جائر في كلامهم فإن قيل فهذه الضمة في أيهم ضمة إعراب أو ضمة بناء قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب سيبويه إلى أنها ضمة بناء لأنهم لما حذفوا المبتدأ من صلتها دون سائر أخواتها نقصت فبنيت وكان بناؤها على الضم أولى لأنها أقوى الحركات فبنيت على الضمة ك قبل وبعد والذي يدل على أنهم إنما بنوها لحذف المبتدأ أنهم لو أظهروا المبتدأ فقالوا ضربت أيهم هو في الدار لنصبوا ولم يبنوا وذهب الخليل إلى أن الضمة ضمة إعراب ويرفعه على الحكاية والتقدير عنده ثم لننزعن من كل شيعة الذي يقال له أيهم وذهب يونس إلى إلغاء الفعل قبله وينزل الفعل المؤثر في الإلغاء منزلة أفعال القلوب والصحيح ما ذهب إليه سيبويه.

(1/163)


وأما قول الخليل أنه مرفوع على الحكاية، فالحكاية إنما تكون بعد جرى الكلام فتعود الحكاية إليه وهذا الكلام يصح ابتداء من غير تقدير قول قائل قاله وأما قول يونس فضعيف جدا لأن الفعل إذا كان مؤثرا لا يجوز إلغاؤه فإن قيل فلم بنيت أسماء الصلات قيل لوجهين أحدهما أن الصلة لما كانت مع الموصول بمنزلة كلمة واحدة صارت بمنزلة بعض الكلمة وبعض الكلمة مبني والوجه الثاني أن هذه الأسماء لما كانت لا تفيد إلا مع كلمتين فصاعدا أشبهت الحروف لأنها لا تفيد إلا مع كلمتين فصاعدا فإن قيل ف أي لم كانت معربة دون سائر أخواتها قيل لوجهين:
أحدهما أنهم بنوها على الأصل في الإعراب تنبيها على أن الأصل في الأسماء الإعراب كما بنوا الفعل المضارع إذا اتصلت به نون التأكيد أو ضمير جماعة النسوة تنبيها على أن الأصل في الأفعال البناء والوجه الثاني أنهم حملوها على نظيرها ونقيضها فنظيرها جزء ونقيضها كل وهما معربان فكانت معربة فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

(1/164)


*****باب حروف الاستفهام*****

إن قال قائل كم حروف الاستفهام قيل ثلاثة أحرف ا الهمزة وأم وهل وما عدا هذه الثلاثة فأسماء وظروف أقيمت مقامها فالأسماء من وما وكم وكيف والظروف أين وأنى ومتى وأي حين وأيان وأي يحكم عليها بما تضاف إليه فأما الهمزة و أم فقد بيناهما في باب العطف وأما هل فتكون استفهاما وتكون بمعنى قد قال الله عز وجل ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) أي قد أتى وقال الشاعر - من البسيط -
( سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم )
أي قد رأونا ولا يجوز أن تجعل هل استفهاما لأن الهمزة للاستفهام وحرف الاستفهام لا يدخل على حرف الاستفهام.
فإن قيل فلم أقامت العرب هذه الأسماء والظروف مقام حرف الاستفهام قيل إنما أقاموها مقام حرف الاستفهام توسعا في الكلام ولكل واحد منها موضع يختص به
فـ من سؤال عمن يعقل و ما سؤال عما لا يعقل و كم سؤال عن العدد و كيف سؤال عن الحال و أين و أنى سؤال عن المكان و متى و أي حين و أيان سؤال عن الزمان و أي يحكم عليها بما تضاف إليه فإنها لا تكون إلا مضافة ألا ترى أنك لو قلت من عندك لوجب أن يقول المجيب زيد أو عمرو أو ما أشبه ذلك ولو قال فرس او حمار لم يجز لأن من سؤال عمن يعقل لا عما لا يعقل وكذلك لو قلت أين زيد لوجب أن تقول في الدار أو في المسجد وما أشبه ذلك فلو قال يوم الجمعة لم يجز لأن أين سؤال عن المكان لا عن الزمان
وكذلك أيضا لو قلت متى الخروج لوجب أن تقول يوم الجمعة أو يوم السبت أو ما أشبه ذلك ولو قال في الدار أو في المسجد لم يجز لأن متى سؤال عن الزمان لا عن المكان وكذلك سائرها.
فإن قيل فلم أقاموا هذه الكلم مقام حرف واحد وهي همزة الاستفهام وهم يتوخون الإيجاز والاختصار في الكلام قيل إنما فعلوا ذلك للمبالغة في طلب الإيجاز والاختصار وذلك لأن هذه الكلم تشتمل على الجنس الذي يدل عليه ألا ترى أن من تشتمل على جميع من يعقل و اين تشتمل على جميع الأمكنة و متى تشتمل على جميع الأزمنة وكذلك سائرها فلما كانت تشتمل على هذه الأجناس كان فيها فائدة ليست في الهمزة ألا ترى أنك لو قلت أزيد عندك لجاز الا يكون زيد عنده فيقول لا فتحتاج إلى أن تعيد السؤال وتعد شخصا شخصا وربما لا تذكر ذلك الشخص الذي هو عنده فلا يحصل لك الجواب عمن عنده لأنه لا يلزمه ذلك في سؤالك فلما كان ذلك يؤدي إلى التطويل لأن استيعاب الأشخاص مستحيل أتي بلفظة تشتمل على جميع من يعقل وهي من فأقاموها مقام الهمزة ليلزم المسؤول الجواب عمن عنده وكذلك لو قلت أفي الدار زيد أو في المسجد لجاز ألا يكون في واحد منهما فيقول لا فتحتاج أيضا إلى أن تعيد السؤال وتعد مكانا مكانا وربما لا تذكر ذلك المكان الذي هو فيه فلا يحصل لك الجواب عن مكانه لأنه لا يلزمه ذلك في سؤالك فلما كان ذلك يؤدي إلى التطويل أتي ب أين لأنها تشتمل على جميع الأمكنة ليلزم المسؤول الجواب عن مكانه وكذلك لو قلت أيخرج زيد يوم السبت لجاز ألا يخرج في ذلك اليوم فتحتاج أيضا إلى تكرير السؤال وربما لا تذكر ذلك الوقت الذي يخرج فيه فلما كان ذلك يؤدي إلى التطويل أقاموا متى مقامها لأنها تشتمل على جميع الأزمنة كما تشتمل أين على جميع الأمكنة وكذلك سائرها فلهذا المعنى من الإيجاز والاختصار أقاموما مقام الهمزة فإن قيل فلم كانت مبنية ماعداأيا قيل إنما بنيت لأنها تضمنت معنى حرف الاستفهام وهو الهمزة وأما أي فإنما أعربت وإن كانت قد تضمنت معنى حرف الاستفهام لما بيناه في باب أسماء الصلات قبل فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

(1/166)


*****باب الحكاية*****

إن قال قائل لم دخلت الحكاية الكلام قيل لأنها تزيل الالتباس وتزيل التوسع في الكلام فإن قيل فهل تجوز الحكاية في غير الاسم العلم والكنية قيل اختلفت العرب في ذلك فمن العرب من يجيز الحكاية في المعارف كلها دون النكرات قال الشاعر - من الوافر -
( سمعت الناس ينتجعون غيثا ... فقلت لصيدح انتجعي بلالا )
فقال الناس بالرفع كأنه سمع قائلا يقول الناس ينتجعون غيثا فحكي الاسم مرفوعا كما سمع ومن العرب من يجيز الحكاية في المعرفة والنكرة ومن ذلك قول بعضهم وقد قيل له عندي تمرتان فقال دعني من تمرتان. وأما أهل الحجاز فيخصونها بالاسم العلم والكنية فيقولون إذا قال رأيت زيدا من زيدا وإذا قال مررت بزيد من زيد فيجعلون من في موضع رفع بالابتداء و زيدا في موضع الخبر ويحكون الإعراب وتكون الحركة قائمة مقام الرفعة التي تجب لخبر المبتدأ وأما بنو تميم فلا يحكون ويقولون من زيد بالرفع في جميع الأحوال فيجعلون من في موضع رفع لأنه مبتدأ و زيد هو الخبر ولا يحكون الإعراب وهو القياس والذي يدل على ذلك أن أهل الحجاز يوافقون بني تميم في العطف والوصف فالعطف كقولك إذا قال لك القائل رأيت زيدا ومن زيد والوصف كقولك إذا قال لك القائل رأيت زيدا الظريف من زيد الظريف فإن قيل فلم خص أهل الحجاز الحكاية بالاسم العلم والكنية قيل لأن الاسم العلم والكنية غيرا ونقلا عن وضعهما فلما دخلهما التغيير والتغير يؤنس بالتغيير فإن قيل فلم رفع أهل الحجاز مع العطف والوصف قيل لارتفاع اللبس فإن قيل فما هذه الزيادات التي تلحق من في الاستفهام عن النكرة في الوقف في حالة الرفع والنصب والجر والتأنيث والتثنية والجمع نحو منو ومنا ومني ومنان ومنين ومنون ومنين ومنه ومنتان ومنتين ومنات هل هي إعراب أو لا؟
قيل هذه الزيادات التي تلحق من من تغييرات الوقف وليست بإعراب والدليل على ذلك من وجهين أحدهما أن من مبنية والمبني لا يلحقه الإعراب والثاني أن الإعراب يثبت في الوصل ويسقط في الوقف وهذا بعكس الإعراب يثبت في الوقف ويسقط في الوصل فدل على أنه ليس بإعراب فأما قول الشاعر - من الوافر -
( أتوا ناري فقلت منون أنتم ... فقالوا الجن قلت عموا ظلاما ) فأثبت الزيادة في حالة الوصل فالجواب عنه من وجهين أحدهما أنه اجري الوصل مجرى الوقف لضرورة الشعر وإذا كان ذلك للضرورة فلا يكون فيه حجة والثاني أنه يجوز أن يكون من قبيلة تعرب من، فقد حكى سيبويه أن من العرب من يقول ضرب من منا كما تقول ضرب رجل رجلا ولم يقع الكلام في لغة من اعربها وإنما وقع في لغة من بناها ف منون في هذه اللغة بمنزلة قام الزيديون وعلى كل حال فهو من القليل الشاذ الذي لا يقاس عليه فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

(1/167)


*****باب الخطاب*****

إن قال قائل ما ضابط هذا الباب قيل أن تجعل أول كلامك للمسؤول عنه الغائب وآخره للمسؤول المخاطب فتقول إذا سالت رجلا عن رجل كيف ذلك الرجل يا رجل وإذا سألته عن رجلين قلت كيف ذانك الرجلان يا رجل وإذا سألته عن رجال قلت كيف أولئك الرجال يا رجل وإذا سالت رجلا عن امرأة قلت كيف تلك المرأة يا رجل وإذا سألته عن امرأتين قلت كيف تأنك المرأتان يا رجل وإذا سألته عن نسوة قلت كيف أولئك النسوة يا رجل وإذا سألت امرأة عن امرأة قلت كيف تلك المرأة يا امرأة وإذا سألتها عن امرأتين قلت كيف تأنك المرأتان يا امرأة وإذا سألتها عن نسوة قلت كيف أولئك النسوة يا امرأة وإذا سألت امرأة عن رجل فلت كيف ذلك الرجل يا امرأة وإذا سألتها عن رجلين قلت كيف ذانك الرجلان يا امرأة وإذا سألتها عن رجال قلت كيف أولئك الرجال يا امرأة وإذا سألت اثنين عن امرأة قلت كيف تلكما المرأة يا رجلان قال الله تعالى ( ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ) وإذا خاطبت نسوة وأشرت إلى رجل قلت كيف ذلكن الرجل يا نسوة قال الله تعالى ( قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ) وعلى هذا قياس هذا الباب.

(1/168)


فإن قيل فلم قدم المشار إليه الغائب قيل عناية بالمسؤول عنه
والكاف بعد أسماء الإشارة وهي ذلك وتلك وأولئك لمجرد الخطاب ولا موضع لها من الإعراب لأنه لو كان لها موضع من الإعراب لكان موضعها الجر بالاضافة وذلك محال لأن أسماء الإشارة معارف والمعارف لا تضاف فصارت بمنزلة الكاف في النجاك لأن ما فيه الألف واللام لا يضاف وبمنزلة الكاف في إياك لأنه مضمر والمضمرات كلها معارف والمعارف لا تضاف، واللام في ذلك وتلك زائدة للتنبيه ك ها في هذا ولهذا لا يحسن أن يقال هذلك ولا هاتالك وأصل اللام أن تكون ساكنة فإن قيل فلم كسرت اللام في ذلك وحدها قيل إنما كسرت لوجهين أحدهما أنها كسرت لالتقاء الساكنين لسكونها وسكون الألف قبلها والثاني أنها كسرت لئلا تلتبس بلام الملك ألا ترى أنك لو قلت ذلك بفتح اللام لالتبس وتوهم السامع أن المراد به أن هذا الشيء ملك لك فلما كان يؤدي إلى الالتباس كسرت اللام لإزالة هذا الالتباس وإنما فتحت كاف الخطاب في المذكر وكسرت في المؤنث للفرق بينهما والكاف في تلكما أيضا للخطاب و ما علامة للتثنية وكذلك الكاف أيضا في أولئكم للخطاب والميم والواو المحذوفة علامة لجمع المذكر وكذلك الكاف أيضا في أولئكن للخطاب والنون المشددة علامة لجمع المؤنث ومن العرب من يأتي بالكاف مفردة في التثنية والجمع على خطاب الواحد إذا فهم المعنى
قال الله تعالى ( ذلك بما قدمت أيديكم ) ولم يقل ذلكم وقيل إنما أفرد لأنه أراد به الجمع كأنه قال ذلك أيها الجمع والجمع لفظه مفرد فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

(1/169)


*****باب الألفات*****

إن قال قائل على كم ضربا الألفات التي تدخل أوائل الكلم قيل على ضربين همزة وصل وهمزة قطع فهمزة الوصل هي التي يتصل ما قبلها بما بعدها في الوصل ولذلك سميت همزة الوصل وهمزة القطع هي التي ينقطع ما قبلها عن الاتصال بما بعدها ولذلك سميت همزة القطع فإن قيل ففي ماذا تدخل همزة الوصل من الكلم قيل في جميع أقسام الكلم من الاسم والفعل والحرف أما الاسم فتدخل منه على اسم ليس بمصدر وعلى اسم هو مصدر.
فأما ما ليس بمصدر فـ ابن وابنة واثنتان واثنتان واسم واست وامرؤ وامرأة وايمن فالهمزة دخلت في أوائل هذه الكلم عوضا عن اللام المحذوفة منها ما عدا امرؤ وامرأة وايمن فأما امرؤ وامرأة فإنما أدخلت عليهما لأنهما لما كان آخرهما همزة والهمزة معدن التغيير تنزلا منزلة الاسم الذي قد حذف منه اللام فأدخلت الهمزة عليهما كما أدخلت على ما حذف منه اللام.
فأما ايمن فهو جمع يمين إلا أنهم وصلوها لكثرة الاستعمال وقيل أنهم حذفوها حذفا وزيدت الهمزة في أوله لئلا يبتدأ بالساكن وأما ما كان مصدرا فنحو انطلاق واقتطاع واحمرار واحميرار واستخراج واغديدان واخرواط واسحنكاك واسلنقاء واحرنجام واسبطرار وما أشبه ذلك وأما الفعل فتدخل همزة الوصل منه على أفعال هذه المصادر نحو انطلق واقتطع و احمر واحمار و استخرج واغدودن و اخروط واسحنكك واسلنقي واحرنجم واسبطر وما أشبه ذلك وإنما دخلت همزة الوصل في أوائل هذه الأفعال ومصادرها لئلا يبتدأ بالساكن وكذلك أيضا تدخل همزة الوصل على أمثلة الأمر من الفعل الذي يسكن فيه ما بعد حرف المضارعة نحو ادخل واضرب واسمع لئلا يبتدأ بالساكن.

(1/170)


وأما الحرف فلا تدخل همزة الوصل منه إلا على حرف واحد وهي لام التعريف نحو الرجل والغلام وما أشبه ذلك في قول سيبويه للعلة التي ذكرناها وأما الخليل فذهب إلى أن الألف واللام زيدتا معا للتعريف إلا أنهم جعلوا الهمزة همزة وصل لكثرة الاستعمال وقد ذكرناه مستوفى في كتاب الألف واللام فإن قيل فلم فتحت الهمزة مع لام التعريف وألف ايمن قيل أما الهمزة مع لام التعريف ففتحت لثلاثة أوجه الوجه الأول أن الهمزة لما دخلت على لام التعريف وهي حرف أرادوا أن يجعلوها مخالفة للهمزة التي دخلت على الاسم والفعل والوجه الثاني أن الحرف أثقل فاختاروا له الفتح لأنه أخف الحركات والوجه الثالث أن الهمزة مع لام التعريف يكثر دورها في الكلام فاختاروا لها أخف الحركات وهو الفتح وأما همزة ايمن فإنما بنيت على الفتح لوجهين:
أحدهما أن الأصل فيها أن تكون همزة قطع مفتوحة فإذا وصلت لكثرة الاستعمال بقيت حركتها على ما كانت عليه.
والثاني أنها فتحت لأن هذا الاسم ناب عن حرف القسم وهو الواو فلما ناب عن الحرف شبه بالحرف وهو لام التعريف فوجب أن تفتح همزته كما فتحت مع لام التعريف فإن قيل فلم ضمت الهمزة في نحو ادخل وكسرت في نحو اضرب وما أشبه ذلك قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب البصريون إلى أن الأصل في هذه الهمزة الكسر وإنما ضمت في نحو ادخل وما أشبه ذلك لأن الخروج من كسر إلى ضم مستثقل ولهذا ليس في كلام العرب شيء على وزن فعل وذهب الكوفيون إلى أن همزة الوصل مبنية على ثالث المستقبل فإن كان مكسورا كسرت وإن كان مضموما ضمت وما عدا ما ذكرناه في همزة الوصل فهو همزة قطع لأن همزة القطع ليس لها أصل يحصرها غير أنا نذكر بينهما فرقا على جهة التقريب فنقول:

(1/172)


يفرق بين همزة الوصل وهمزة القطع في الأسماء بالتصغير فإن ثبتت بالتصغير فهي همزة قطع وإن سقطت فهي همزة وصل نحو همزة أب وابن فالهمزة في أب همزة قطع لأنها تثبت في التصغير لأنك تقول في تصغيره أبي والهمزة في ابن همزة وصل لأنها تسقط في التصغير لأنك تقول في تصغيره بني ويفرق بين همزة الوصل وهمزة القطع في الأفعال بأن تكون ياء المضارعة فيه مفتوحة أو مضمومة فإن كانت مفتوحة فهي همزة وصل نحو ما قدمناه وإن كانت مضمومة فهي همزة قطع نحو أجمل وأحسن وما أشبه ذلك لأنك تقول في المضارع منه يجمل ويحسن وما أشبه ذلك وهمزة مصدره أيضا همزة قطع كالفعل وإنما كسرت من إجمال ونحوه لئلا يلتبس بالجمع فإنهم لو قالوا أجمل أجمالا بفتح الهمزة في المصدر لالتبس بجمع جمل فلما كان ذلك يؤدي إلى اللبس كسروا الهمزة لإزالة اللبس فإن قيل فلم فتحوا حرف المضارعة من الثلاثي وضموه من الرباعي قيل لأن الثلاثي أكثر من الرباعي والفتحة أخف من الضمة فأعطوا الأكثر الأخف والأقل الأثقل ليعادلوا بينهما
فإن قيل فالخماسي والسداسي أقل من الرباعي فهلا وجب ضمه قيل إنما وجب فتحه لوجهين:
أحدهما أن النقل في الثلاثي أكثر من الرباعي فلما وجب الحمل على أحدهما كان الحمل على الأكثر أولى من الحمل على الأقل.
والثاني أن الخماسي والسداسي ثقيلان لكثرة حروفهما فلو بنوهما على الضم لأدى ذلك إلى أن يجمعوا بين كثرة الحروف وثقل الضم وذلك لا يجوز فأعطوهما أخف الحركات وهو الفتح على أن بعض العرب يضم حرف المضارعة منهما فيقول ينطلق ويستخرج بضم حرف المضارعة حملا على الرباعي
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

(1/173)


*****باب الإمالة*****

إن قال قائل ما الإمالة قيل أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة وبالألف نحو الياء؛
فإن قيل فلم أدخلت الإمالة الكلام قيل طلبا للتشاكل لئلا تختلف الأصوات فتتنافر وهي تختص بلغة أهل الحجاز ومن جاورهم من بني تميم وغيرهم وهي فرع على التفخيم والتفخيم هو الأصل بدليل أن الإمالة تفتقر إلى أسباب توجبها وليس التفخيم كذلك فإن قيل فما الأسباب التي توجب الإمالة قيل هي الكسرة في اللفظ أو كسرة تعرض للحرف في بعض المواضع أو الياء الموجودة في اللفظ أو لأن الألف منقلبة عن الياء أو لأن الألف تنزل منزلة المنقلبة عن الياء أوأمالة لإمالة فهذه ستة أسباب توجب الإمالة.
فأما الإمالة للكسرة في اللفظ فنحو قولهم في عالم عالم وفي سالم سالم وأما الإمالة للكسرة تعرض للحرف في بعض المواضع فنحو قولهم في خاف خاف فأمالوا لأن الخاء تكسر في خفت، وأما الإمالة للياء فنحو قولهم في شيبان شيبان وفي غيلان غيلان وأما الإمالة لأن الألف منقلبة عن الياء فنحو قولهم في رحى رحى وفي رمى رمى وأما الإمالة لأن الألف تنزل منزلة المنقلبة عن الياء فنحو قولهم في حبارى حبارى وفي سكارى سكارى.
وأما الإمالة للإمالة فنحو رأيت عمادا وقرأت كتابا فإن قيل فما يمنع من الإمالة قيل حروف الاستعلاء والإطباق وهي الصاد والضاد والطاء والظاء والغين والخاء والقاف فهذه سبعة أحرف تمنع الإمالة
فإن قيل فلم منعت هذه الأحرف الإمالة قيل لأن هذه الأحرف

(1/174)


تستعلي وتتصل بالحنك الأعلى فتجذب الألف إلى الفتح وتمنعه من التسفل بالإمالة.
فإن قيل فلم إذا وقعت بعد الألف مكسورة منعت الإمالة وإذا وقعت مكسورة قبلها لم تمنع قيل إنما منعت من الإمالة إذا وقعت مكسورة بعد الألف لأنه يؤدي إلى التصعد بعد الإنحدار لأن الإمالة تقتضي الانحدار وهذه الحروف تقتضي التصعد فلو أميلت ههنا لأدى ذلك إلى التصعد بعد الانحدار وذلك صعب ثقيل فلهذا منعت من الإمالة بخلاف ما إذا وقعت مكسورة قبل الألف فإنه لا يؤدي إلى ذلك فإنك إذا أتيت بالمستعلي مكسورا أضعفت استعلاءه ثم إذا أملت انحدرت بعد تصعد والانحدار بعد التصعد سهل خفيف فبان الفرق بينهما فإن قيل فهلا جازت الإمالة إذا وقعت قبل الألف مفتوحة في نحو صامت وذلك انحدار بعد تصعد قيل لأن الحرف المستعلي مفتوح والحرف المستعلي إذا كان مفتوحا زاد استعلاء فامتنعت الإمالة بخلاف ما إذا كان مكسورا لأن الكسرة تضعف استعلاءه فصارت سلما إلى جواز الامالة ولم يكن جواز الإمالة هناك لأنه انحدار بعد تصعد فقط وإنما كان كذلك لأن الكسرة ضعفت استعلاءه ولأنه انحدار بعد تصعد فباعتبار هذين الوصفين جازت الإمالة، وههنا وإن وجد أحدهما وهو كونه انحدارا بعد تصعد فلم يوجد الآخر وهو تضعيف حرف الاستعلاء بالكسرة التي هي سلم إلى جواز الإمالة.
فالإمالة في ضرب المثال مع الكسرة بمنزلة النزول من موضع عال بدرجة أو سلم والإمالة مع غير الكسرة بمنزلة النزول من موضع عال من غير درجة أو سلم فبان الفرق بينهما فإن قيل فلم إذا كانت الراء مفتوحة أو مضمومة منعت من الإمالة وإذا كانت مكسورة أوجبت الإمالة قيل لأن الراء حرف تكرير فإذا كانت مفتوحة أو مضمومة فكأنه قد اجتمع فيها فتحتان أو ضمتان فلذلك منعت الإمالة وأما إذا كانت مكسورة فكأنه قد اجتمع فيها كسرتان فلذلك أوجبت ا لإمالة فإن قيل فلم غلبت الراء المكسورة حرف الاستعلاء في نحو طارد والراء المفتوحة نحو في نحو دار القرار وما أشبه ذلك قيل إنما غلبت الإمالة للراء المكسورة مع الحرف المستعلى لأن الكسرة في الراء اكتسبت تكريرا فقويت لأن الحركة تقوى بقوة الحرف الذي يتحملها فصارت الكسرة فيها بمنزلة كسرتين فغلبت بتسفلها تصعد المستعلي وكما غلبت الراء المكسورة الحرف المستعلي فكذلك الراء المفتوحة المشبهة به فإن قيل فلم لم تدخل الإمالة في الحروف قيل لأن الإمالة ضرب من التصرف أو لتدل الألف على أن اصلها ياء والحروف لا تتصرف ولا تكون ألفاتها منقلبة عن ياء ولا واو فإن قيل فلم جازت الإمالة في بلى و يا في النداء؟ قيل أما بلى فإنما أميلت لأنها أغنت غناء الجملة وأما يا في النداء فإنما أميلت لأنها قامت مقام الفعل فجازت إمالتها كالفعل فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

(1/175)


*****باب الوقف*****

إن قال قائل على كم وجها يكون الوقف قيل على خمسة أوجه السكون وهو حذف الحركة والتنوين والإشمام وهو أن تضم شفتيك من غير صوت وهذا يدركه البصير دون الضرير والروم وهو أن تشير إلى الحركة بصوت ضعيف وهذا يدركه البصير و الضرير والتشديد وهو أن تشدد الحرف الأخير نحو هذا عمر وهذا خالد.
والإتباع وهو أن تحرك ما قبل الحرف الأخير إذا كان ساكنا حركة الحرف الأخير في الرفع والجر نحو هذا بكر ومررت ببكر فإن قيل فلم خصوا الوقف بهذه الوجوه الخمسة قيل أما السكون فلأن راحة المتكلم ينبغي أن تكون عند الفراغ من الكلمة والوقف عليها والراحة بالسكون لا بالحركة فإن قيل فلم أبدلوا من التنوين ألفا في حال النصب ولم يبدلوا من التنوين واوا في حال الرفع ولا ياء في حال الجر قيل لوجهين أحدهما إنما أبدلوا من التنوين ألفا في حال النصب لخفة الفتحة بخلاف الرفع والجر فإن الضمة والكسرة ثقيلتان والوجه الثاني أنهم لو أبدلوا من التنوين واوا في حال الرفع لكان ذلك يؤدي إلى أن يكون اسم متمكن في آخره واو قبلها ضمة وليس في كلام العرب اسم متمكن في آخره واو قبلها ضمة ولو أبدلوا من التنوين ياء في حالة الجر لكان ذلك يؤدي إلى ان تلتبس بياء المتكلم فلذلك لم يبدلوا منه ياء على أنه من العرب من يبدل في حالة الرفع واوا وفي حالة الجر ياء
ومنهم من لا يبدل في حالة النصب ألفا كما لا يبدل في حالة الرفع واوا ولا في حالة الجر ياء وهي لغة قليلة وأجود اللغات الإبدال في حالة

(1/176)


النصب وترك الإبدال في حالة الرفع والجر على ما بينا.
وأما الإشمام فالمراد به أن تبين أن لهذه الكلمة حال حركة في حال الوصل وكذلك الروم والتشديد فإن قيل فلم لم يجز الإشمام في حالة الجر قيل لأنه يؤدي إلى تشويه الحلق
وأما الإتباع فلأنه لما وجب التحريك لالتقاء الساكنين اختاروا الضمة في حالة الرفع لأنها الحركة التي كانت في حالة الوصل فكانت أولى من غيرها وقال الشاعر - من الرجز - أنا ابن ماوية إذا جد النقر وكذلك حكم الكسرة في قول الآخر - من المتقارب -
( أرتني حجلا على ساقها ... فهش الفؤاد لذاك الحجل ) بكسر الحاء والجيم.
فإن قيل فهلا جاز ذلك في حالة النصب كما جاز في حالة الرفع والجر قيل لأن حرف الإعراب تلزمه الحركة إذا كان منونا في حالة النصب نحو قولك رأيت بكرا ولا تلزمه في حالة الرفع والجر فإن قيل فهلا جاز فيما لم يكن فيه تنوين نحو قولك رأيت البكر قيل حملا على ما فيه التنوين لأن الأصل هو التنكير فإن قيل فهلا جاز أن يقال هذا عدل بضم الدال و مررت بالبسر بكسر السين في الوقف كما جاز هذا بكر ومررت ببكر قيل لأنهم لو قالوا هذا عدل بضم الدال لأدى ذلك إلى إثبات ما لا نظير له في كلامهم لأنه ليس في كلامهم شيء على وزن فعل فلما كان ذلك يؤدي إلى إثبات ما لا نظير له في كلامهم عدلوا عن الضم إلى الكسر كما قالوا في جمع حقو أحق و جرو أجر و قلنسوة قلنس فقالوا هذا عدل بكسر الدال لأن له نظيرا في كلامهم نحو إبل وإطل ولم يقولوا مررت بالبسر بكسر السين لأنه ليس في الأسماء شيء على وزن فعل إلا دئل وهو اسم دويبة و رئم اسم للسته وهما فعلان نقلا إلى الاسمية وحكى
بعضهم وعل فلما كان ذلك يؤدي إلى إثبات ما لا نظير له في كلامهم رفضوه وعدلوا عن الكسر إلى الضم فقالوا مررت بالبسر بضم السين لأن له نظيرا في كلامهم نحو طنب وحرض فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

(1/177)


*****باب الإدغام*****

إن قال قائل ما الإدغام قيل أن تصل حرفا بحرف مثله من غير أن تفصل بينهما بحركة أو وقف فينبو اللسان عنهما نبوة واحدة فإن قيل فعلى كم ضربا الإدغام قيل على ضربين إدغام حرف في مثله من غير قلب وإدغام حرف في مقاربه بعد القلب فأما إدغام الحرف في مثله فنحو شد ورد والأصل فيه شدد وردد إلا أنه لما اجتمع حرفان متحركان من جنس واحد سكنوا الأول منهما وادغموه في الثاني وحكم المضارع في الإدغام حكم الماضي نحو يشد ويرد وما أشبه ذلك وأما إدغام حرف في مقاربه فهو أن تبدل أحدهما من جنس الآخر وتدغمه فيه نحو الحق كلدة وانهك قطنا واسلخ غنمك وادمغ خلفا وما أشبه ذلك غير أنه لا طريق إلى معرفة تقارب الحروف إلا بعد معرفتها ومعرفة مخارجها وأقسامها وهي تسعة وعشرون حرفا وهي معروفة وقد تبلغ خمسة وثلاثين حرفا بحروف مستحسنة وهي النون الخفيفة وهمزة بين بين والألف الممالة وألف التفخيم وهي التي ينحى بها نحو الواو نحو الصلاة والصاد
كالزاي والشين كالجيم وتبلغ نيفا وأربعين حرفا بحروف غير مستحسنة وهي القاف التي بين القاف والكاف والكاف التي بين الجيم والكاف والجيم التي كالكاف والجيم التي كالشين والصاد التي كالسين والطاء التي كالتاء والظاء التي كالثاء والباء التي كالفاء وحكى أبو بكر بن مبرمان الضاد الضعيفة المبدلة من الثاء وحكى أن منهم من يقول في اثرد اضرد ومخارجها ستة عشر مخرجا فالأول للهمزة والألف والهاء وهو من أقصى الحلق مما يلي الصدر والثاني للعين والحاء وهو من وسط الحلق والثالث للغين والخاء وهو من أدنى الحلق مما يلي الفم والرابع للقاف وهو من أقصى اللسان وما فوقه من الحنك والخامس للكاف وهو أسفل من ذلك وأقرب إلى مقدم الفم والسادس للجيم والشين والياء وهو من وسط اللسان بينه وبين الحنك الأعلى والسابع للضاد وهو من أول حافة اللسان

(1/178)


وما يليها من الأضراس وهومن الجانب الأيسر أسهل.
والثامن للام وهو من أدنى حافة اللسان إلى منتهى طرفه والتاسع للنون وهو من فوق ذلك فويق الثنايا والعاشر للراء وهو من مخرج النون إلا أن الراء أدخل بطرف اللسان في الفم ولها تكرير في مخرجها والحادي عشر للطاء والدال والتاء وهو من بين طرف اللسان وأصول الثنايا العليا والثاني عشر للصاد والسين والزاي وهو من بين طرف اللسان وفويق الثنايا السفلى وتسمى هذه الحروف الثلاثة حروف الصفير والثالث عشر للثاء والذال والظاء وهو من بين طرف اللسان واطراف الثنايا العليا والرابع عشر للفاء وهو من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا والخامس عشر للباء والميم والواو وهو من بين الشفتين.
والسادس عشر للنون الخفيفة وهو من الخياشيم ولا عمل للسان فيها.
فهذه مخارج الحروف وهي تنقسم إلى المهموسة والمجهورة والمذلقة والمصمتة والشديدة والرخوة وما بين الشديدة والرخوة والمطبقة والمفتوحة والمستعلية والمنخفضة والمعتلة.
فالمهموسة عشرة أحرف الهاء والحاء والخاء والكاف والسين والشين والصاد والتاء والثاء والفاء ويجمعها قولك ستشحثك خصفة والمجهورة ما عدا هذه العشرة وهي تسعة عشر حرفا ويجمعها مد غطاء جعظر وقل بد ضيزن والمذلقة ستة أحرف اللام والنون والراء والميم والباء والفاء ويجمعها فر من لب والمصمتة ما عدا هذه الستة، والشديدة ثمانية أحرف ويجمعها أجدت طبقك.

(1/179)


وكذلك ما بين الشديدة والرخوة ثمانية أحرف أيضا يجمعها نوري لامع والرخوة ما عداها والمطبقة أربعه أحرف الصاد والضاد والطاء والظاء والمفتوحة ما عدا هذه الأربعة والمستعلية سبعة أحرف أربعة منها هي التي ذكرنا أنها مطبقة والثلاثة الأخر القاف والغين والخاء والمنخفضة ما عدا هذه السبعة والمعتلة أربعة أحرف الهمزة وحروف المد واللين وهي الألف والياء والواو ومعنى المهموسة أنها حروف أضعف الاعتماد - عليها - في موضعها فجرى النفس معها فأخفاها والهمس الصوت الخفي فلذلك سميت مهموسة ومعنى المجهورة أنها حروف أشبع الاعتماد عليها في موضعها فمنعت النفس أن يجري معها فخرجت ظاهرة والجهر هو الإظهار فلذلك سميت مجهورة ومعنى المذلقة أنها حروف لها فضل اعتماد على ذلق اللسان وهو طرفه ولذلك سميت مذلقة.
ومعنى المصمتة أنها حروف ليس لها ذلك الاعتماد على ذلق اللسان وأصمتت بأن تختص بالبناء إذا كانت الكلمة رباعية أو خماسية ولذلك سميت مصمتة.
ومعنى الشديدة أنها حروف صلبة لا يجري فيها الصوت ولذلك سميت شديدة ومعنى الرخوة أنها حروف ضعيفة يجري فيها الصوت ولذلك سميت رخوة ومعنى ما بين الشديدة والرخوة أنها حروف لا مفرطة في الصلابة ولا ظاهرة الضعف بل هي في اعتدال بينهما ولذلك كانت بين الشديدة والرخوة ومعنى المطبقة أنها حروف يرتفع بها اللسان إلى الحنك الأعلى فينطبق عليها فتصير محصورة ولذلك سميت مطبقة ومعنى المفتوحة أنها حروف لا يرتفع اللسان بها إلى الحنك الأعلى فينفتح عنها ولذلك سميت مفتوحة ومعنى المستعلية أنها حروف تستعلي إلى الحنك الاعلى ولذلك سميت مستعلية.
ومعنى المنخفضة عكس ذلك ومعنى المعتلة أنها حروف تتغير بانقلاب بعضها إلى بعض بالعلل الموجبة لذلك ولذلك سميت معتلة وسميت الألف والياء والواو حروف المد واللين أما المد فلأن الصوت يمتد بها وأما اللين فلأنها لانت في مخارجها واتسعت وأوسعهن مخرجا الألف ويسمى الهاوي لهويه في الحلق فهذا ما أردنا أن نذكره من معرفة مخارج الحروف وأقسامها التي يعرف بها تقارب الحروف بعضها من بعض.

(1/180)


قيل فلم جاز أن تدغم الباء في الميم لتقاربهما ولا يجوز أن تدغم الميم في الباء قيل إنما لم يجز أن تدغم الميم في الباء نحو أكرم بكرا كما يجوز أن تدغم الباء في الميم نحو اصحب مطرا لأن الميم فيها زيادة صوت وهي الغنة فلو أدغمت في الباء لذهبت الغنة التي فيها بخلاف الباء فإنه ليس فيها غنة تذهب بالإدغام وكذلك أيضا لا يجوز أن تدغم الراء في اللام كما يجوز أن تدغم اللام في الراء لأن في الراء زيادة صوت وهو التكرير فلو أدغمت في اللام لذهب التكرير الذي فيها بالإدغام بخلاف اللام فإنه ليس فيها تكرير يذهب بالإدغام فأما ما روي عن أبي عمرو بن العلاء من إدغام الراء في اللام في قوله تعالى ( نغفر لكم خطاياكم ) فالعلماء ينسبون الغلط في ذلك إلى الراوي لا إلى أبي عمرو ولعل أبا عمرو أخفى الراء فخفي على الراوي فتوهمه إدغاما وكذلك كل حرف فيه زيادة صوت لا يدغم فيما هو أنقص صوتا منه وإنما لم يجز إدغام الحرف فيما هو أنقص صوتا منه لأنه يؤدي إلى الإجحاف به وإبطال ما له من الفضل على مقاربه فإن قيل فلام التعريف في كم حرفا تدغم قيل في ثلاثة عشر حرفا وهي التاء والثاء والدال والذال والراء والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء والنون نحو التائب والثابت والداعي

(1/181)


والذاكر والراهب والزاهد والساهر والشاكر والصابر والضامر والطائع والظافر والناصر أحد عشر ا حرفا من حروف طرف اللسان وحرفان يخالطان طرف اللسان وهما الضاد والشين وإنما أدغمت لام التعريف في هذه الحروف لوجهين أحدهما أن هذه الحروف مقاربة لها والوجه الثاني أن هذه اللام كثر دورها في الكلام ولهذا تدخل في سائر الأسماء سوى أسماء الأعلام والأسماء غير المتمكنة ولما اجتمع فيها المقاربة لهذه الحروف وكثرة دورها في الكلام لزم فيها الإدغام وأما من أظهر اللام على الأصل فمن الشاذ الذي لا يعتد به فإن قيل فما الأصل في ست و بلعنبر قيل اما ست فأصلها سدس بدليل قولهم في تصغيره سديس وفي تكسيره أسداس إلا أنهم أبدلوا من السين تاء كما أبدلوا من التاء سينا في اتخذ فقالوا استخذ فلما أبدلوا ههنا من السين تاء صار إلى سدت ثم أدغموا الدال في التاء فصار إلى ست وأما بلعنبر فأصله بنو العنبر إلا أنهم حذفوا الحرف المعتل لسكونه وسكون اللام ولم يمكنهم الإدغام لحركة النون وسكون اللام فحذفوا النون بدلا من الإدغام ومن ذلك قولهم بلعم يريدون بني العم قال الشاعر - من الطويل -( إذا غاب غدوا عنك بلعم لم يكن ... جليدا ولم تعطف عليك العواطف ) ومن ذلك قولهم علماء بنو فلان يريدون على الماء قال الشاعر
( غداة طفت علماء بكر بن وائل ... وعجنا صدور الخيل شطر تميم ) - من الطويل - يريد على الماء وهذا كله ليس بمطرد في القياس وإنما دعاهم إلى ذلك كثرة الاستعمال وهو من الشاذ الذي لا يقاس عليه فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.
تم الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد النبي واله الطاهرين و سلامه.

(1/183)